مقدمة
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ..
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:
“يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا“.[1]
أما بعد:
كانت “الشركات التجارية” من أوائل الموضوعات التي اهتم المشرع الكويتي بتنظيمها، وذلك بموجب قانون الشركات التجارية الأول الصادر بالقانون 15 لسنة 1960، والذي استمر العمل به إلى أن أُلغي بالمرسوم بقانون رقم 25 لسنة 2012، والذي حل محله لاحقاً قانون الشركات الحالي رقم 1 لسنة 2016.
ونظراً لخلو المكتبة القانونية من وضع مؤلَّف واحد يجمع أحكام القانون كلها مع لائحته التنفيذية مع القواعد القانونية الخاصة الأخرى – يجمعها في إطار موضوعي واحد جنباً إلى جنب مع التطبيقات القضائية المرتبطة بها مع شرحها جميعاً. لذلك حاولت من خلال “شرح قانون الشركات الكويتي مع التعمق” أن أتصدى لهذه المهمة آملين أن يُكتَب لنا بعض التوفيق.
خطة البحث:
لقد تضمن قانون الشركات الحالي – علاوة على مواد الإصدار– عدد 306 مادة موزعة على ثلاثة عشر باباً كما يلي:
البــــاب الأول – الأحكام العامة للشركة.
البــاب الثــاني – شركة التضامن.
البــاب الثـالـث – شركات التوصية البسيطة.
البــاب الرابــع – شركات التوصية بالأسهم.
البــاب الخـامس – شركة المحاصة.
البـاب السـادس – الشركات المهنية.
البــاب السـابع – شركة الشخص الواحد.
البــاب الثامـن – الشركة ذات المسئولية المحدودة.
البــاب التاسـع – شركات المساهمة العامة.
البـاب العـاشـر – شركات المساهمة المقفلة.
الباب الحادي عشر – الشركة القابضة.
الباب الثاني عشر – تحول الشركات واندماجها وانقسامها وانقضائها.[2]
الباب الثالث عشر – الرقابة والتفتيش.
ولقد تلا صدور القانون أن صدرت لائحته التنفيذية بموجب قرار وزير التجارة والصناعة رقم 287/2016، ولقد تم تعديلها أكثر من مرة على النحو الذي سنوضحه بالتفصيل. ومن القانون ولائحته التنفيذية والتعميمات والقرارات الوزارية ذات الصلة تتكون “البنية القاعدية” لقانون الشركات في دولة الكويت.
ولأن البيئة التي تحيا فيها الشركة لا يحكمها قانون الشركات وحده، حيث توجد تشريعات أخرى خاصة يكون لها الأولوية في التطبيق على القانون 1/2016 ولائحته التنفيذية، وذلك بالنسبة لعدد ليس بالقليل من الشركات، مثل: الشركات المدرجة، والشركات التي تمارس أنشطة الأوراق المالية، وكذلك الشركات التي تمارس أعمال البنوك والصرافة والاستثمار، وشركات التأمين، حيث أن هذه المجموعات من الشركات تخضع لأحكام القوانين الخاصة المنظمة لتلك الأنشطة. ومن ثم فإنه كلما كانت هناك مسألة مشتركة بين قانون الشركات أو لائحته التنفيذية وبين حكم خاص بها في أحد التشريعات الخاصة؛ فإنني في “شرح قانون الشركات الكويتي مع التعمق” قد حاولت التعرض إلى الحكم الخاص مع بيان اعتبارات الأولوية في التطبيق بالنسبة للشركة التي تخضع لهذا الحكم الخاص.[3]
ولقد اتبعت في تبويب تقسيم “شرح قانون الشركات الكويتي مع التعمق” ذات التبويب والتقسيم الذي جاء في القانون رقم 1/2016: ثلاثة عشر باباً سبقناها بفصل تمهيدي لشرح مواد الإصدار، فأوردت كل مادة من مواد القانون رقم 1/2016 على حدة وفقاً لأحدث تعديلاتها مع إيراد حصر هذه التعديلات وإشارة إلى النص ما قبل التعديل، ولقد أتبعت كل مادة بشرح أحكامها مع شرح مواد اللائحة التنفيذية ذات الصلة بها، وأوردت ما يتعلق بكل مادة من قرارات وزارية وتعميمات، ثم أوردت ما يتعلق بكل مادة من الاجتهادات القضائية الصادرة من محكمة التمييز[4]، باعتبار أن الأحكام القضائية الصادرة من محكمة التمييز تعتبر من المصادر التفسيرية للقانون ولا يمكن بدونها الوقوف على التفسير والتطبيق السليم لنصوصه.
ولقد حرصت في شرح كل مادة من مواد القانون 1/2016 على أن أشير إلى النصوص المقابلة لها في قانون الشركات الأول، وذلك لبيان مواطن الاختلاف بين موقف المشرع في شأن الموضوعات التي نظمها في القانونين. حيث أن العديد من أحكام القانون 1/2016 لم تتضمن أي تغيير في موقف المشرع من المسائل التي كان ينظمها القانون 15/1960، لذلك سنعتمد أيضاً في هذا الكتاب على انتخاب السوابق القضائية الصادرة في ظل سريان قانون الشركات التجارية الأسبق رقم 15/1960 طالما كانت لا تتعارض مع ما استحدثه قانون الشركات الحالي من أحكام قانونية.[5]
منهج الشرح
ولأن واقع الشركات مليء بالتعقيدات والمواقف المتوقعة وغير المتوقعة، والتي دائماً ما تتحدى وكثيراً ما تتجاوز: نصوص المشرع، ومنطق الشُرِّاح، واجتهادات القُضاة؛ مما يجعل (مهارة) القدرة على قراءة الموقف مهارة أساسية تجعلك في وضع أفضل وأنت أمام النصوص تقرؤها أو بين يدي الموقف تبحث له عن حل أو قرار. لذلك فإن هذا العمل – الموسوعة أو الموقع الإلكتروني أو التطبيق الهاتفي على حسب طريقة اتصالك به – لا يقتصر على مجرد عرض النصوص القانونية وشرحها بطريقة متعمقة وفقط، بل حرصت على تمكين من يقرأه – أو من يستخدمه – من الوعي بالموقف Situation Awareness، أي القدرة على إدراك القاعدة القانونية في سياقها العملي، وفهم أثرها في الواقع التطبيقي، ثم تقدير العواقب المحتملة لتطبيقها أو تجاهلها أو مخالفتها في مختلف الحالات. فالواقع لا يكف عن تحدي النصوص القانونية ومنطق القانونيين، وكثيراً ما يتفوق عليهما الواقع بتعقدياته وإشكالياته المستمرة والمتجددة، مما يجعل الوعي بالموقف القانونية أداة ضرورية لفهم النصوص فهماً أكثر عمقاً واتخاذ القرارات السليمة في ضوء – أو في ظل – الوعي بالموقف Situation Awareness.
ولتحقيق ذلك، اعتمدت على المنهج الوصفي التحليلي في تفسير النصوص، مع الاعتماد – في الوقت نفسه – على المنهج التطبيقي من خلال استحضار الأمثلة العملية والسوابق القضائية والفرضيات الواقعية المرتبطة بعمل الشركات والشركاء وغير الشركاء والجهات الرقابية. كما تم توظيف (منهج السيناريوهات)[6] لبيان النتائج المحتملة لكل موقف، مثل ما يحدث إذا تحقق شرط معين، أو تم إهمال إجراء، أو وقع خطأ إجرائي، وذلك كله بهدف زيادة إتاحة إمكانيات التنبوء بالعواقب القانونية ومن ثم اتخاذ القرار الصحيح (أو الأكثر صحة أو على الأقل الأكثر تحقيقاً للمصلحة المرغوب في تحقيقها) وذلك عن وعي بالموقف بالمفهوم الذي أوجزته.
وبهذا الجمع بين التحليل القانوني الموضوعي النظري والاستنباط من الواقع العملي، أصبح هذا العمل الذي بين يديك – أو هكذا وددت أن يصبح – أداة عملية في بين يدي القارئ، يزوده بالمعرفة القانونية، وأيضاً بمهارات الوعي بالموقف القانوني التي تعزز من كفاءته في اتخاذ القرارات الدقيقة في الوقت المناسب مع إدراك العواقب.
وفي ختام هذه المقدمة، أوضح مسألة جوهرية مفادها أنه على الرغم من أن النسخة الورقية من “موسوعة شرح قانون الشركات الكويتي مع التعمق” كنت قد بدأت في تدوينها في مايو 2022، وقد واظبت على التدوين إلى أن ناهزت صفحاتها 3000 صفحة في سبتمبر 2025، في عمليات متزامنة من التدوين والتصويب وإدراج ما يُستجد من تعديلات تشريعية، وبما أصل إليه من سوابق قضائية، وكذلك إدراج كل مسألة عملية أتعرض لها أو تُعرَض عليَّ. ولقد بادرت إلى نشر هذا العمل نشراً إلكترونياً لأن نشره ورقياً سيجعل تحديثه أمراً مستحيلاً، فإذا نشرته ورقياً فإنه سيصبح قديماً في اليوم التالي من نشره، وسيصبح غير صحيح مع أول تعديل تشريعي. لذلك كان النشر الإلكتروني هو الأصح والأقدر على جعل هذا الشرح متجدداً ومحدثاً؛ ولذلك فلتعلم أن هذا العمل لا يزال وسيظل في طور الكتابة والتحرير والتحديث المستمر.
وفوق ذلك، فإني عندما بدأت في العمل على هذه الموسوعة لم يكن الهدف منها مشاركتها أو نشرها، بل كنت أعمل على واحدة من أدواتي الخاصة التي أستخدمها في عملي، والتي كنت أعتمد عليها بشكل يومي، حيث وفرت لنفسي وسيط إلكتروني واحد سهل البحث فيه والتنقل بين أجزائه في سرعة وبمنتهى الدقة، وهذه الإمكانية وتلك الإتاحة لن يحققها الشكل الورقي للموسوعة، بل يحققها النشر الإلكتروني، حيث زودت الموسوعة بعدد كبير من الروابط البينية التي تجعل الانتقال فيما بين كل أجزائها يسير وسهل يحفظ على المُستخدِم وقته وتركيزه.
إن كان في هذا العمل فائدة، فبفضل من الله وتوفيقه، وإن كان فيه خطأ أو تقصير، فذاك من طبيعة العمل البشري، ولا سبيل لعلاج الخطأ أو القصور إلا بالتعاون فيما بين القارئ والكاتب، لذلك أرحب – بإخلاص – بكل اقتراح وتصويب ونقد، لذلك أوجدت في كل صفحة آلية لوضع التعليقات.
وختاماً أدعو الله سبحانه وتعالى أن ينفع هذا العمل دولة الكويت وأهلها، حفظهما الله من كل سوء.
[1] سورة النساء – الآية 29.
في هذه الآية الكريمة، جمع الله سبحانه وتعالى بين النهي عن أكل المال بالباطل وبين النهي عن قتل النفس، وقدَّم الأول على الثاني، وكأن استباحة أكل أموال الناس بالباطل مثله مثل الانتحار، لن يؤدي إلى الغنى بل إلى الخراب والفناء.
[2] أحكام تحول الشركة واندماجها وانقسامها وانقضائها تعتبر من قبيل القواعد العامة التي كان من الأنسب إيرادها في باب الأحكام العامة.
[3] مثال ذلك موضوع “تقسيم السهم”.
[4] يرجى ملاحظة أن هناك العديد من نصوص القانون رقم 1/2016 ما لم يكن له نظير في القوانين السابقة، وبالتالي من الطبيعي ألا يكون لتلك النصوص المستحدثة تطبيقات قضائية في أحكام التمييز في الوقت الحالي.
[5] وعلى الرغم من غلبة الرأي الذي يرى أن القضاء يقف عند حد كونه مصدراً للحلول القانونية وليس للقواعد القانونية، إلا أن هذا الرأي نفسه يسلم بما للأحكام القضائية الصادرة من المحاكم العليا من أهمية عملية بالغة يجب ألا نغفل عنها، وبصفة خاصة بالنسبة لتلك الأحكام التي تضع مبادئ قانونية؛ ذلك أن المحاكم غالباً ما تحرص على التقيد بهذه المبادئ والحلول القانونية في القضايا المماثلة التي تعرض عليها، وبصفة خاصة إذا ما تأيدت هذه المبادئ القانونية من المحكمة العليا في التنظيم القضائي، غير أن التزامها يكون في هذه الحالة واقعياً أدبياً وليس رسمياً، فيظل لها الحق في مخالفته. كما يُسلم هذا الرأي بما للأحكام القضائية من دور مهم باعتبارها مصدراً مادياً للمشرع يستقى منها الحلول المختلفة، ويصوغها في صورة قواعد تشريعية، فيكون القضاء عندئذ مصدراً غير مباشر للقواعد القانونية.
– يراجع في هذا الرأي:
د. إبراهيم دسوقي أبو الليل: أصول القانون (الجزء الأول – نظرية القانون). مجلس النشر العلمي، دولة الكويت، 2006، صص 257-258.
[6] إن المشرع نفسه في المادة الأولى من مواد إصدار القانون 1/2016 استخدم مصطلح القوانين التجارية، وهو إقرار من المشرع بأن هناك مجموعة من القوانين تجمعها سمات مشتركة وهو وحدة الموضوع العام الذي يجمع أحكامها، وهو النشاط التجاري والشخوص التي تقوم بهذا النشاط.
[6] منهج السيناريوهات (Scenario Method) أكثر شيوعًا في العلوم الإدارية والاستراتيجية. وقد اعتمدت عليه لدراسة المواقف القانونية والعملية من خلال استكشاف النتائج المحتملة لمختلف الاحتمالات الواقعية أو الافتراضية. يتيح هذا المنهج للقارئ أو الممارس القانوني القدرة على التفكير في “ماذا لو” (What-If) لكل حالة، وتقدير العواقب القانونية أو العملية المترتبة على تطبيق قاعدة معينة أو تجاهلها أو وقوع خطأ إجرائي.
يعتمد هذا المنهج على تصوير السيناريوهات الممكنة (Possible Scenarios) لكل موقف، وتحديد النتائج المحتملة لكل منها، بما يعزز مهارة التنبؤ والتخطيط الاستراتيجي (Forecasting and Strategic Planning) لدى القارئ. ففي القانون، قد يشمل ذلك تحليل:
ماذا يحدث إذا تحقق الشرط القانوني؟ ما العواقب إذا تم إهمال إجراء أو وقع خطأ؟ كيف تُطبق القوانين وكيف يترف الأطراف في الظروف غير المتوقعة؟
وفي سياق البحث القانوني، يظهر منهج السيناريوهات عادة تحت عناوين مثل: تحليل الحالات الافتراضية (Hypothetical Case Analysis)، أو توقع العواقب القانونية (Legal Forecasting / Legal Scenario Analysis)، والتخطيط للطوارئ القانونية (Contingency Planning in Law). ويتم استخدامه بهدف: الاستعداد لمواجهة مواقف قانونية متعددة. واستكشاف العواقب المحتملة لتطبيق أو تجاهل نص قانوني. ولتحليل المخاطر القانونية والقرارات الاستراتيجية في المؤسسات والشركات.
بهذه الطريقة، يصبح (منهج السيناريوهات) أداة لتدريب العقل القانوني على المرونة الفكرية (Cognitive Flexibility) وفهم التعقيدات العملية التي قد لا تغطيها النصوص القانونية التقليدية. ويتيح هذا الأسلوب الجمع بين التحليل النظري (Theoretical Analysis) والتطبيق العملي (Practical Application) والاستشراف المستقبلي (Prospective Analysis)، ما يجعله أداة قيمة لتعزيز الوعي بالموقف القانوني (Legal Situation Awareness)، وهو الهدف الأساسي لهذا الكتاب.